فصل: تفسير الآيات (60- 62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتخب في تفسير القرآن



.تفسير الآيات (60- 62):

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
60- واذكروا- يا بني إسرائيل- يوم طلب نبيكم موسى السقيا لكم من ربه حين اشتد بكم العطش في التيه، فرحمناكم وقلنا لموسى: اضرب بعصاك الحجر. فانفجر الماء من اثنتي عشرة عيناً، فصار لكل جماعة عين- وكانوا اثنتي عشرة جماعة- فعرفت كل قبيلة مكان شربها، وقلنا لكم: كلوا من المن والسلوى، واشربوا من هذا الماء المتفجر ودعوا ما أنتم عليه، ولا تسرفوا في الإفساد في الأرض بل امتنعوا عن المعاصي.
61- واذكروا- أيها اليهود- أيضاً يوم سيطر البطر على أسلافكم، ولم يؤدوا لنعمة الله حقها فقالوا لموسى: إننا لن نصبر على طعام واحد وهو المن والسلوى، فادع لنا ربك كي يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقولها وقثائها وعدسها وثومها وبصلها، فتعجب موسى من ذلك، وأنكره عليهم فقال لهم: أتفضلون هذه الأصناف على ما هو أفضل وأحسن، وهو المن والسلوى؟.. فانزلوا إذن من سيناء وادخلوا مدينة من المدن فإنكم ستجدون فيها ما تريدون، وبسبب ذلك البطر والعناد أحاطت بهؤلاء اليهود المذلة والفقر والخنوع، واستحقوا غضب الله عليهم لما ألفوه من العناد والعصيان، وما جروا عليه من الكفر بآيات الله وبقتلهم الأنبياء مخالفين بذلك الحق الثابت المقرر، وقد جرأهم على ذلك- الكفر وهذا القتل- ما رُكِّب في نفوسهم من التمرد والعدوان ومجاوزة الحد في المعاصي.
62- إن الذين آمنوا من الأنبياء من قبل، واليهود والنصارى، ومن يقدسون الكواكب والملائكة، من آمن برسالة محمد بعد بعثته، ووحَّد الله تعالى وآمن بالبعث والحساب يوم القيامة، وعمل الأعمال الصالحة في دنياه، فهؤلاء لهم ثوابهم المحفوظ عند ربهم، ولا يلحقهم خوف من عقاب. ولا ينالهم حزن على فوات ثواب، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

.تفسير الآيات (63- 67):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}
63- اذكروا حين أخذنا عليكم العهد والميثاق رافعين جبل الطور، وجعلناه بقدرتنا كالظلة فوقكم حتى خفتم وأذعنتم وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم من هدى وإرشاد بجد واجتهاد، واذكروا ما فيه ذكر من يستجيب له ويعمل به كي تصونوا بذلك أنفسكم من العقاب.
64- ثم إنكم أعرضتم بعد ذلك كله، ولولا فضل الله عليكم ورحمته وتأخيره العذاب عنكم لكنتم من الضالين الهالكين.
65- وأنتم بلا ريب قد عرفتم أولئك الذين تجاوزوا الحد منكم في يوم السبت، بأن صادوا السمك فيه- مع أنه يوم راحة وعيد والعمل محرم فيه- فمسخ الله قلوب المخالفين، وصاروا كالقردة في نزواتها وشهواتها، وجعلناهم مبعدين من رحمتنا ينفر الناس من مجالستهم ويشمئزون من مخالطتهم.
66- وقد جعل الله هذه الحال التي آلوا إليها عبرة وتحذيرا لغيرهم من أن يفعلوا مثل فعلهم، جعلها عبرة لمعاصريهم ومن يأتي بعدهم، كما جعلناها موعظة للذين يتقون ربهم، لأنهم هم الذين ينتفعون بنذير العظات والعبر.
67- واذكر- يا محمد- حين قال موسى لقومه وقد قُتل فيهم قتيل لم يعرفوا قاتله: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ليكون ذلك مفتاحاً لمعرفة القاتل، ولكنهم استغربوا أن تكون هناك صلة بين قتل القتيل وذَبح البقرة قائلين: أَتسخر منا يا موسى؟، فرد عليهم قائلاً: إني أعتصم بتأديب الله لى أن أكون من الجاهلين الذين يستهزئون بعباده.

.تفسير الآيات (68- 72):

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}
68- هنا قالوا لموسى- مترددين في أمر البقرة: اطلب لنا من ربك أن يبين لنا صفة تلك البقرة، فقال لهم: إن الله أخبرني بأنها ليست كبيرة وليست صغيرة، بل هي وسط بين الكبر والصغر، فنفذوا ما أمركم الله به.
69- ولكنهم استمروا في ترددهم فقالوا: اطلب لنا من ربك أن يبين لنا لون هذه البقرة، فأجابهم موسى: بأن الله يقول: إنها بقرة صفراء شديدة الصفرة مع صفاء، تُعْجِبُ الناظر إليها لصفاء لونها ووضوحه.
70- ثم لجوا في أسئلتهم فقالوا: ادع لنا ربك يبين لنا شأن هذه البقرة، لأن البقر تشابه علينا، وسنهتدى إليها بمشيئة الله.
71- فقال لهم: إن الله يقول إنها بقرة لم تذلل بالعمل في حرث الأرض وقلبها للزراعة، ولا في سقى الأرض المهيأة للزراعة أو ما فيها من نبات، وهى بريئة من العيوب، سالمة من الآفات، لا لون فيها يخالف سائر جسدها، فقالوا له: الآن جئت بالبيان الواضح، وبحثوا عن البقرة المتصفة بهذه الأوصاف فذبحوها، وقد قاربوا ألا يفعلوا ذلك لكثرة أسئلتهم وطول لجاجهم.
72- واذكروا يوم قتلتم نفسا وتخاصمتم وتدافعتم الجريمة، فاتَّهم بعضكم بعضا بقتلها، والله يعلم الحقيقة وهو كاشفها ومظهرها مع كتمانكم لها.

.تفسير الآيات (73- 75):

{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
73- فقلنا لكم على لسان موسى: اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة، ففعلتم: فأحيا الله القتيل وذكر اسم قاتله، ثم سقط ميتاً، وكانت معجزة من الله لموسى.
لأن الله قادر على كل شيء، وبقدرته هذه يحيى الموتى يوم القيامة، ويريكم دلائل قدرته لعلكم تعقلونها وتعتبرون بها.
74- ثم إنكم بعد هذه الآيات كلها لم تستجيبوا ولم تستقيموا، ولم تلن قلوبكم أو تخشع، بل غلظت وتصلبت وبقيت على قسوتها، بل إنها أشد قسوة من الحجارة، لأن الحجارة قد تتأثر وتنفعل، فهناك أحجار تتفجر منها المياه الكثيرة فتجرى أنهاراً، وهناك أحجار تتشقق فيخرج منها الماء عيوناً فوارة، ومنها ما يتأثر بقدرة الله وينقاد لمشيئته فيتردى من أعلى الجبال انقياداً لما أراده الله تعالى به، أما قلوبكم أيها اليهود فإنها لا تتأثر ولا تلين ولكم الويل على ذلك، فالله ليس بغافل عن أعمالكم، وهو سيؤدبكم بألوان النقم إذا لم تشكروا أنواع النعم.
75- ما كان ينبغى لكم أيها المؤمنون أن تطمعوا في أن يُؤمن اليهود بدينكم وينقادوا لكم وقد اجتمعت في مختلف فرقهم أشتات الرذائل التي تباعد بينهم وبين الإيمان بالحق، فقد كان فريقا منهم- وهم الأحبار- يسمعون كلام الله في التوراة ويفهمونه حق الفهم ثم يتعمدون تحريفه وهم يعلمون أنه الحق، وأن كتب الله المنزلة لا يجوز تغييرها.

.تفسير الآيات (76- 81):

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
76- وكان فريق من منافقيهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا مخادعين لهم: آمنا بأنكم على الحق وأن محمداً هو النبي الذي جاء وصفه في التوراة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض عاتبهم الفريق الآخر على غفلتهم، إذ تنزلق ألسنتهم في أثناء خداعهم للمؤمنين بعبارات تفيد خصومهم ولا يستدعيها الخداع، فيذكرون لهم ما ورد في التوراة من أوصاف محمد ويعطونهم بذلك حُجة عليهم يوم القيامة.
77- وهل غاب عن هؤلاء وأولئك أن الله ليس في حاجة إلى مثل هذه الحُجة لأنه يعلم ما يخفون وما يبدون؟.
78- ومن اليهود فريق جهلة أميون لا يعرفون عن التوراة إلا أكاذيب تتفق مع أمانيهم، لفَّقها لهم أحبارهم، وألقوا في ظنهم أنها حقائق من الكتاب.
79- فالهلاك والعذاب لهؤلاء الأحبار الذين يكتبون كتباً بأيديهم، ثم يقولون للأميين: هذه هي التوراة التي جاءت من عند الله، ليصلوا من وراء ذلك إلى غرض تافه من أغراض الدنيا فيشتروا التافه من حطام الدنيا بثمن غال وعزيز هو الحقيقة والصدق، فويل لهم مما تقوَّلوه على الله، وويل لهم مما يكسبون من ثمرات افترائهم.
80- ومن اختلاقاتهم وأكاذيبهم ما يتلقونه من أحبارهم من أن النار لن تمس يهودياً مهما ارتكب من المعاصى إلا أياماً معدودة، فقل لهم يا محمد: هل تعاهدتم مع الله على ذلك فاطمأننتم، لأن الله لا يخلف عهده، أم أنكم تفترون الكذب عليه؟.
81- الحق أنكم تفترون الكذب على الله، فحكم الله العام نافذ في خلقه جميعاً لا فرق بين يهودى وغير يهودى، لأن من ارتكب سيئة وأحاطت به آثامه حتى سدت عليه منافذ الخلاص، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

.تفسير الآيات (82- 84):

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}
82- والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة، لأنهم آمنوا وأدوا ما يفرضه عليهم إيمانهم من صالح الأعمال، فهم فيها خالدون.
83- وإن لكم معشر اليهود بجانب هذا كله ماضياً حافلا بالإثم ونقض المواثيق، وتعدى ما وضعه الله لكم من حدود، فلتذكروا إذ أخذنا عليكم في التوراة ميثاقاً ألا تعبدوا إلا الله، وأن تحسنوا إلى الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين، وتستخدموا في حديثكم مع الناس القول الطيب الذي يؤلف بينكم وبينهم ولا ينفرهم منكم، وتؤدوا ما فرض عليكم من صلاة وزكاة، ولتذكروا ما كان من مسلككم حيال هذا الميثاق إذ نقضتموه وأعرضتم عنه إلا قليلا منكم ممن أذعن للحق.
84- وإذ أخذنا ميثاقاً عليكم في التوراة ألا يسفك بعضكم دماء بعض، ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم، وهو ميثاق تقرون أنه في كتابكم وتشهدون على صحته.

.تفسير الآيات (85- 87):

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)}
85- وها أنتم أولاء يقتل بعضكم بعضا، ويخرج فريق منكم فريقاً آخر من ديارهم متعاونين في ذلك عليهم مع غيركم بالإثم والعدوان، ثم إن وقع فريق منكم أسرى لدى من تتعاونون معهم تعملون على إنقاذهم من الأسر بافتدائهم، وإن سئلتم عما حملكم على افتدائهم قلتم: لأن أسفارنا أمرتنا أن نفدى أسرانا من اليهود، أو لم تأمركم أسفاركم كذلك ألا تسفكوا دماء إخوانكم، وألا تخرجوهم من ديارهم؟، أفتذعنون لبعض ما جاء في الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردهم الله- المطلع على أعمالهم وسرائرهم- إلى أشد العذاب.
86- وذلك لأنهم قد آثروا أعراض الدنيا الزائلة على نعيم الآخرة الدائم، وكانوا بهذا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فلن يخفف عنهم عذاب جهنم، ولن يجدوا من ينقذهم منه.
87- ولتذكروا كذلك- معشر اليهود- مواقفكم الضالة الآثمة حيال موسى ومن بعثناه من بعده إليكم من المرسلين. فلقد أرسلنا إليكم موسى وآتيناه التوراة وبعثنا إليكم على آثاره عدة رسل، منهم عيسى ابن مريم الذي أمددناه بالمعجزات وأيدناه بروح القدس، وهو جبريل رسول الوحى الأمين، فكنتم كلما جاءكم رسول من هؤلاء بما لا تهوى أنفسكم تستكبرون عن اتباعه، ففريق كذبتموه وفريق آخر قتلتموه.